النسوية في شتى صورها تضع موازين ومعايير للنظر إلى المرأة، وهي سبيكة في مصاغ فكرة العدل أو الموقف الأخلاقي العام، وهذه تسمى بالأحكام المعيارية، ثم تصف ما عليه وضع المرأة في ضوء الموازين والمعايير، وتبرز من منظورها أن وضعها الراهن كفته شائلة، والاضطهاد والتمييز والحرمان كفتها راجحة، وهذه تسمى بالأحكام الوصفية، كلا النوعين من الأحكام يكون وقودا لحركة تغيير وضع المرأة إلى ما يتطابق به مع المعايير النسوية، فالنسوي الكامل ليس صاحب الفكر وحده، بل هو صاحب الفكر وفارس الجري في ميدان العمل والجولان في ساحة السياسة.
ولم يكن الحال أفضل مع المتخصصات في الفلسفة، اللاتي واجهن مشاكل إهانات لفظية وجسدية ونبذ عام. إذ تحضر هنا المسائل الجنسية بمعناها العام بكثرة، وذلك حينما يتساءلون "ماذا تلبس، وكيف حصلت على نتيجتها ومقابل ماذا؟" وهذه أسلحة لتهديم وضرب الآخر".
فلا الدين يقول شيئاً من ذلك، ولا العلم يعترف به، ولا التاريخ يشهد بصحة شيء منه!
جون لوك، على سبيل المثال، دعم حقوق المرأة في التعليم، في حين أن جان جاك روسو في كتابه إميل ركز على دور المرأة كأم وزوجة ودعا إلى تعليم النساء فقط ما يؤهلهن لهذا الدور.
مع مرور الوقت، استمرت النساء في كسر الحواجز، حيث ساهمت كل من الفيلسوفات المعاصرات في توسيع نطاق الفلسفة، وتقديم رؤى جديدة تتعلق بالعدالة، والهوية، والأخلاق.
إن النسوية عندما تقرر أن المرأة مبخوسة حقا، ومقموعة ومهمشة، فهي تلقي على عاتقي نفسها مهمة إنقاذها من هذا القمع والتهميش، تلفي نفسها في بيئة، تتنوع فيها أشكال التمييز وتتقاطع، فكيف تتعامل مع هذا الوضع، وتحدد غايتها التي تسعى إليها وتركز عليها؟ فليس الجنس -كما مر- هو المنفذ الوحيد الذي يتسرب منه التمييز، بل له عدة منافذ أخرى من نحو الطبقة والنسل والسن والعرق والإعاقة والجنوح الجنسي.
فأعمال الباحثة وإن قدمت تحليلا متينا لخنوع المرأة الجنسي، إلا أنها ضيقة الأفق. فالتحيز الجنسي –مثلا- في بعض البلدان، خاصة النامية منها، يتجلى في توزيع العمل توزيعا جائرا والابتزاز. الآن لاننكر أن الإخضاع الجنسي أحد أشكال التحيز الجنسي، ولكن لضربنا في بيداء غير المعقول لو قلنا: إن جميع حالات توزيع العمل بالعدل تنبثق من التصاق الإثارة الجنسية بسلطان الرجل وخضوع المرأة. ثم لاحاجة إلى نظم جميع أنواع التحيز الجنسي شاهد المزيد في سلك واحد يعم جميع النساء، بل الحاجة إلى عدم ذلك.
وفق كل ما سبق، فإنه يتوجّب عليها أن نطرح نقاشا جديا حول القيم التي تتبناها الفلسفة باعتبارها تنويرًا للعقل، وتحريرًا للإنسان من قيود المجتمع، وهو ما ينتج عنه التساؤل التالي: "متى سيُفسَح المجال للمرأة في عالم الفلسفة؟"، دون استخفاف، والتعامل معها كإنسان قادر على التفكير والدخول في مساحة الفلسفة، والحقيقة، أن هذا السؤال منوط بتطور الفلسفة، بالإضافة لارتباطه بقدرة المرأة على فعل تنويري حقيقي بعيدا عن الشعارات الفارغة أو التقدمية المرائية.
كانت كلمة النسوية في منتصف العقد الأول من القرن التاسع عشر تشير إلى صفات الإناث ومزاياهن، وإنما كسيت كسوة العقيدة القائلة بتساوي المرأة مع الرجل في الحقوق والذب عنه، والمنبثقة من تساوي الجنسين، في اللغة الإنجليزية –مستمدًا من المصطلح الفرنسي file
لقد انتهت وإلى غير رجعة أسطورة «العنقاء الحكيمة»، وانتقلت النساء محبات الحكمة إلى مربع الممكن: اليوم منهن فيلسوفات، كما منهن رئيسات وغير ذلك، وتفرض أعداد متزايدة وجودهن في قلب القضايا المركزية للعمل الفلسفي المعاصر، والنقاشات العامة حول المآزق التي تواجهها البشرية في عهد الرأسمالية المتأخرة.
فالنسوية كما رأينا تعرضت لكل رواية فلسفية مهمة، فتنوعت تنوع الروايات الفلسفية المهمة ذاتها تنوعا، يخبرنا بتنوع المنازع والرؤى حول ما كان من تلك الروايات مساعدا وذا معنى للنسوية.
عند البحث الجاد والتعمق في مسألة العلاقة بين المرأة والفلسفة، تبدأ الصورة بالتغيّر، ولاسيما إذا اعتمدنا مقاربة موسعة لمفهوم الفلسفة، لا تتأطر فيها ضمن حدود المنظور الأكاديمي الصارم، وبالأخص أن الفلسفة لم تتخذ هذا السياق إلا حديثًا في القرن السابع عشر، فيما لم تكن قبل ذلك على مرّ تاريخها منفصلة عن العلوم، واللاهوت، والسياسة؛ وغيرها من الميادين، وهكذا قد نجد العديد من الأسماء النسائية البارزة في مختلف الحضارات والعصور، والتي تتقاطع أنشطتهن بشكل فاعل بدرجة أو بأخرى مع الفلسفة.
الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام العماني لدى إطلاق منصة «عين للطفل» في معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
وغيرها من الجمعيات التي لم تزل وماتزال تقدح النسويةَ بزند جهودها، وتركض حصانَها.
Comments on “The Definitive Guide to المرأة والفلسفة”